عقد المضاربة : تعريفه وشروط صحته
شرع الإسلام المضاربة وأباحها تيسيرا على الناس حتى يستفيد صاحب المال الذى لا يملك القدرة على استثماره من كفاءة العامل الذى يمتلك تلك القدرة بينما قد لا يتوافر لديه المال فيتحقق نتيجة هذا التعاون منافع كثيرة وإليك ما ورد في كتاب"المضاربة وتطبيقاتها العملية في المصارف الإسلامية"للأستاذ محمد عبد المنعم أبو زيد المحاضر بقسم الاقتصاد بجامعة الأسكندرية جاء فيه
المضاربة لفظ على وزن مفاعلة، وهو مشتق من الفعل "ضرب"، وهو يأتي على معانٍ، منها:
1- السير في الأرض للسفر مطلقًا كقوله تعالى: "وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنْ الصَّلاة..." (النساء: 101)
2- السير في الأرض بغرض التجارة وابتغاء الرزق كقوله تعالى: "وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللهِ..." (المزمل: 20).
3- ومن معاني الضرب أيضًا الوصف والتبيين. ومنه قوله تعالى: "ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً..."، أي وَصَف وبَيَّن.
4- كما يأتي الضرب بمعنى الكسب والطلب، يقول ابن منظور: "فلان يضرب المجد أي يكسبه ويطلبه"، ولكن أرجح هذه المعاني للفظ الضرب وأكثرها شيوعًا هو السير في الأرض بغرض التجارة وطلب الرزق.
المعنى الاصطلاحي للمضاربة:
للفقهاء تعاريف للمضاربة تتفق في بعض الأمور وتختلف في البعض الآخر.
فقد عرّفها الحنابلة بقولهم: "دفع مالِه إلى آخر يتجر فيه والربح بينهما"، وقال ابن قدامة في المغني: "معناها أن يدفع رجل ماله إلى آخر ليتجر له فيه على أن ما حصل من الربح بينهما حسب ما يشترطانه"، أما الأحناف فقد عرّفوها بأنها: "عقد على الشركة في الربح بمال من جانب رب المال وعمل من جانب المضارب"، وبالنظر إلى هذه التعاريف نجد أن بعض الفقهاء قد ضمن تعريف المضاربة الشروط الخاصة بها والتي تختلف من مذهب لآخر، كما أن بعضهم قيَّد مجال عمل المضارب في النشاط التجاري فقط حينما قال "ليتجر" أو "على أن يتجر"، وقَصْر المضاربة على التجارة - كما يتضح فيما بعد - ليس فيه من الكتاب أو السنة أو القياس، كما أن بعض هذه التعريفات قيَّد رأس مال المضاربة بأنه نقد مضروب، فخرجت بذلك سائر السلع والعروض، كما يؤخذ على بعض هذه التعريفات، والتي استخدمت لفظ "دفع" أنها اعتبرت المضاربة هي ذات الدفع للمال والمضاربة ليست كذلك، بل هي عقد يتم قبل الدفع أو معه، وكان الأولى القول: "المضاربة عقد يتضمن دفع المال".
غير أننا إذا أعدنا النظر ثانية إلى هذه التعريفات فإننا نجد أنها قد اشتركت في ضرورة توافر
ثلاثة شروط في تعريف عقد المضاربة:
الشرط الأول: أن المضاربة تقوم على طرفين.
الشرط الثاني: أن المضاربة تقوم على تقديم المال من أحدهما والعمل من الآخر.
الشرط الثالث: أن المضاربة غايتها تحقيق الربح الذي يشترك فيه طرفاها حسب ما يتفقان عليه.
مشروعية المضاربة:
المضاربة عقد مشروع بلا خلاف، أما دليل هذه المشروعية فقد ثبت بالإجماع المستند إلى السنة التقريرية.
أولاً: أدلة مشروعية المضاربة من السنة التقريرية:
1- ثبت في السيرة النبوية أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج إلى الشام مضاربًا بمال خديجة بنت خويلد رضي الله عنها، وكان ذلك قبل النبوة، ثم حكاه بعدها مقررًا له، والتقرير أحد وجوه السنة، فدل ذلك على مشروعية المضاربة.
2- عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان العباس إذا دفع مالاً مضاربة، اشترط على صاحبه ألا يسلك به بحرًا ولا ينزل به واديًا، ولا يشتري به ذات كبد رطبة، فإن فعل ذلك فهو ضامن، فرفع شرطه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأجازه، وهذا الحديث أيضًا من قبيل السنة التقريرية.
3- أخرج ابن ماجه عن صهيب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ثلاثة فيهن بركة: البيع إلى أجل، والمقارضة، وإخلاط البر بالشعير للبيت لا للبيع".
وهذا نص على جواز المضاربة، بل والحثِّ عليها.
4- كما استند الماوردي في الاستدلال على مشروعية المضاربة بالحديث الشريف الذي رواه مسلم عن جابر رضي الله عنهما عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يبيع حاضر لباد، دعوا الناس برزق الله بعضهم من بعض"، حيث رأى الماوردي أن في المضاربة رزقًا للناس بعضهم من بعض، كما أمر الرسول صلى الله عليه وسلم.
ثانيًا: أدلة مشروعية المضاربة بالإجماع:
وهي أقوى الأدلة على مشروعية المضاربة، فقد أجمع الصحابة رضي الله عنهم على جواز المضاربة، وأجمعت الأمة من بعدهم على مشروعيتها ولم يخالف أحد في ذلك.
ويستدل على هذا الإجماع بما روي عن الصحابة من آثار عديدة تفيد تعاملهم بها وعلمهم بها دون نكير من أحد.
ومن الأدلة التي قام عليها الإجماع على مشروعية المضاربة:
1- طبقَّها الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه على ابنيه عبد الله وعبيد الله في قصتهما المشهورة مع أبي موسى الأشعري، حينما كان أميرًا على البصرة.
2- عن علي رضي الله عنه أنه قال في المضاربة: "الوضيعة على المال والربح على ما اصطلحوا عليه".
3- عن ابن مسعود رضي الله عنه عند الشافعي في كتاب "اختلاف العراقيين" أنه أعطى زيد بن جليدة مالاً مقارضة.
4- روى مالك في الموطأ عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن جده أن عثمان بن عفان رضي الله عنه أعطاه مالاً قراضًا يعمل فيه على أن الربح بينهما.
ويتضح من هذا أن المضاربة كانت معروفة للصحابة وتعاملوا بها، فكان ذلك إجماعًا على مشروعيتها. ونقل هذا الإجماع على مشروعية المضاربة كثير من العلماء، فهذا ابن قدامة نقل عن ابن المنذر قوله: أجمع أهل العلم على جواز المضاربة، وهذا الكاساني يقول: "وعلى هذا تعامل الناس من لدن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا في سائر الأمصار من غير إنكار من أحد، وإجماع أهل كل عصر حُجة"، وقال الصناعي: "لا خلاف بين المسلمين في جواز القراض،" وقال الزرقاني في شرحه لموطأ الإمام مالك: "ونقلته - أي القراض - الكافة عن الكافة... ولا خلاف في جوازه".
حكمة مشروعية المضاربة:
لقد أباح الإسلام التعامل بالمضاربة لشدة حاجة الناس إليها، ولما يترتب عليها من منافع عديدة، فالإسلام حريص كل الحرص على استثمار المال وعدم تركه عاطلاً، وحريص أيضًا على قيام الإنسان بالعمل وابتعاده عن الكسل والتعطل، وليس كل من يملك المال لديه القدرة على العمل فيه واستثماره، ولا كل من يملك القدرة والكفاءة على العمل يتوافر لديه المال، ومن هنا كانت المضاربة الأداة التي تحقق التعاون المثمر بين المال والعمل لصالح الطرفين والمجتمع في آن واحد. وتتحقق بمشروعية هذا العقد سد حاجة الطرفين وتوسعة أبواب الرزق الذي يعود على رب المال والمضارب، بالإضافة لما فيه من نفع للمجتمع وتنمية له.
شروط صحة المضاربة:
يقوم كل عقد من العقود في الشريعة الإسلامية على أركان، ويتحقق وجوده بوجودها وينعدم بانعدامها، ولكل ركن من هذه الأركان شروط يجب توافرها حتى يكون هذا العقد صحيحًا، ويقسِّم الفقهاء أركان المضاربة إلى خمسة أركان هي: الصيغة، والعاقدان، ورأس المال، والربح، والعمل، ولكل ركن من هذه الأركان مجموعة من الشروط والتي تعرف بشروط المضاربة، ومن المهم التفرقة بين نوعين من هذه الشروط: الشروط العامة، والشروط الخاصة، لصحة المضاربة.
والشروط العامة هي الشروط اللازمة لانعقاد العقد بصفة عامة، وتتساوى فيها المضاربة مع غيرها من العقود، وهي الشروط المتعلقة بالركنين الأول والثاني، الصيغة والعاقدان، أما الشروط الخاصة فهي التي تعرف بشروط صحة المضاربة وهي التي تخص المضاربة دون غيرها، وهي المتعلقة بالأركان الأخرى: رأس المال، والربح، والعمل، وفيما يلي استعراض لأهم الشروط الخاصة بصحة المضاربة كما رآها الفقهاء:
أولاً: الشروط الخاصة برأس المال:
اشترط الفقهاء في رأس مال المضاربة أربعة شروط كي يكون العقد صحيحًا، وهي:
1- أن يكون رأس المال نقدًا
2- أن يكون رأس المال معلومًا
3- أن يكون رأس المال عينًا لا دينًا
4- تسليم رأس المال إلى المضارب: ويعني هذا الشرط أن يمكن رب المال المضارب من التصرف في رأس المال المضاربة، بإطلاق يده في التصرف فيه، وليس المراد التسليم الفعلي حال العقد أو في مجلسه فقط، فقد أجمع الفقهاء على وجوب تمكين المضارب من التصرف في مال المضاربة، وأن أي شرط يمنع المضارب من التصرف يفسد المضاربة؛ لأنه ينافي مقتضاها ويجعلها عقدًا صوريًّا.
ثانيًا: الشروط الخاصة بالربح:
وقد اشترط الفقهاء بعض الشروط في الربح حتى يكون عقد المضاربة صحيحًا، ومن هذه الشروط:
1- أن يكون نصيب كل طرف معلومًا عند التعاقد
2- أن يكون الربح مشتركًا بين المتعاقدين بحيث لا يختص به أحدهما دون الآخر
3- أن يكون توزيع الربح حصة شائعة لكل من المضارب ورب المال، وذلك بأن يكون نصيب كل منهما من الربح حصة شائعة منه كنصفه أو ثلثه أو أي جزء شائع يتفقان عليه، ولا يجوز أن يحدد بمبلغ معين كمائة جنيه مثلاً؛ لأن العامل هنا يصبح أجيرًا، ولا يجوز أن يشترط لأحدهما مبلغًا معينًا مع حصة شائعة من الربح، أو حصة شائعة ناقصة مبلغًا معينًا، فلا يجوز التحديد على أي صورة من هذه الصور.
4- أما الخسارة فقد اتفق العلماء على أنها تكون على رب المال من رأس ماله ولا يتحمل فيها العامل شيئًا، طالما أنه لم يقصِّر أو يخالف الشروط؛ إذ يكتفي بما تحمله العامل من ضياع وقته وجهده دون عائد، ومعنى ذلك أنه في حالة الخسارة يتحمل كل طرف من جنس ما ساهم به في المضاربة، رب المال من رأس ماله والعامل من عمله.
ثالثًا: الشروط الخاصة بالعمل:
يرى الفقهاء أيضًا أن العمل - كركن من أركان المضاربة - يجب أن يتوافر فيه عدد من الشروط حتى تصبح هذه المضاربة صحيحة، بحيث يترتب على تخلفها انتقال المضاربة من الصحة إلى الفساد، وهذه الشروط هي:
1- العمل من اختصاص المضارب فقط: اشترط جمهور الفقهاء أن يختص المضارب بالعمل للمضاربة، فلا يجوز أن يشترط رب المال أن يعمل معه، وذهب الجمهور إلى فساد المضاربة بهذا الشرط.
ورغم أن هذا الاتجاه الغالب يمنع اشتراط عمل رب المال مع المضارب، فإن الحنابلة يجيزون هذا لاشتراط، ويرون أن المضاربة تكون صحيحة معه، ويجوز لرب المال مع هذا الشرط جميع التصرفات التي تجوز للمضارب.
2- عدم تضييق رب المال على العامل: اشترط الفقهاء ألا يضيّق صاحب المال على العامل في عمله، ولو فعل ذلك فإن المضاربة فاسدة؛ وذلك لأن الربح هو الهدف، المقصود من عقد المضاربة، فالتضييق على المضارب بما يمنع الربح ينافي مقتضى العقد فيفسده
Add this page to your favorite Social Bookmarking websites